::
قال تعالى :
( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً
أَوْ كَفُوراً , وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً
وَأَصِيلاً , وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ
وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً )
[الإنسان:24 ـ 26].
[color=teal]
يا لها من آيات عظيمة ، تجر أذيالها المهيبة على شغاف القلوب الحية ..
فتنبض بالسكينة واليقين ، وتسري أشذاؤها الزكية في النفوس الواهنة
فتعضدها بالثقة والصبر .
فحين يضمُّ الليل جناحه الرهيب على الدنيا ، وتعمّ السكينة أرجاء المكان
إلا من نبضات قلب واجف ضعيف قد اكتنفته ظلمات الدجى والشك والجزع ..
يأتي الأمر الرباني العظيم ، بإسراج النور الخالد، ليبدد بصفائه وقوته كل ما حاك
في صدر المؤمن من الحيرة والخوف والتردد .
ولماذا يا ترى ؟
ولماذا كذلك نجد هذا الأمر حازماً فرضاً على النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة
بقيام الليل وإحيائه بالترتيل والتأمل والإخبات والتضرع ؟يأتي التعليل جلياً ساطعاً ..
( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً )..ثقيلاً على كاهلك أيها الإنسان .. ثقيلاً على صبرك وجلدك ..
ثقيلاً على يقينك وتحملك ..
فأي قوة يا ترى ستشد عضدك في هذا السبيل وتأخذ بساعدك ؟ وأي يقين سيربط على قلبك ، ويفجّر التحدي في حناياك ، حتى تغدو الصخور مراقي تصعد عليها
إلى قمم التمكين وذرى النصر ؟
إنه الصلة العميقة بالله - عز وجل - .. إنه جبين يتمرغ إخباتاً .. وعين تدمع خشيةً .. وقلب يتذكر رغبة ورهبة ، فيشتد عود الإيمان والثقة في النفس
حتى تخضر براعمه صبراً وتمتد فروعه سكينة، وتضرب أصوله يقيناً، فترى القلب لما تتلظى عليه هاجرة الصعاب ..
يأوي إلى مصلاه ، يستظل أفياءه ويستقي ماءه .
قال ابن القيم في ( الوابل الصيب):"ومن فوائد الذكر أنه قوت القلب والروح، فإذا فقده العبد صار بمنزلة الجسم إذا حيل بينه وبين قوته
وحضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار
ثم التفت إليّ وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغد الغداء سقطت قواي " .
وقال أبو مصعب في ترتيب المدارك:"كان مالك يطيل الركوع والسجود في ورده، وإذا وقف في الصلاة كأنه خشبة يابسة لا يتحرك منه شيء".
وفي سير أعلام النبلاء أن أبا حنيفة صلى العشاء والصبح بوضوء واحد أربعين سنة .
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل:" كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة ، فلما مرض من تلك الأسواط أضعفته
فكان يصلي كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة ".
مناقب كنجوم الليل ظاهرة ........ قد زانها الدين والأخلاق والشيم
سبحان الله!هذه هي القوى التي أعانتهم وشدت أركانهم حتى غدوا منارات ساطعة في العلم والخشية والإمامة
فيا عجباً لمن سلك سبيل الدعوة إلى الله وحمل لواءه ، كيف لا يملك رصيداً من خبيئة بينه وبين الله تعالى
من عبادة وصلاة وصوم وصدقة وذكر، حتى تراه يتنازعه الجزع والوهن مع أول عثرة تلاقيه !
ومن روائع الكلم في تفسير هذه الآيات من سورة الإنسان ..
ما سطرته يراعة سيد قطب -رحمه الله - في الظلال :" اصبر على الأذى والفتنة، واصبر على الباطل يغلب وعلى الشر يتنفج، ثم اصبر أكثر على ما أوتيته
من الحق الذي نزل به القرآن عليك ، اصبر ولا تستمع لما يعرضونه من المصالحة والالتقاء في منتصف الطريق
على حساب العقيدة ، اصبر ولو طال الأمد واشتدت الفتنة وقوي الإغراء، وامتد الطريق..
ولكن الصبر شاق ولا بد من الزاد والمدد المعين ،,,
( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ) هذا هو الزاد ، اذكر اسم ربك في الصباح والمساء ، واسجد له بالليل وسبحه طويلاً ..
إنه الاتصال بالمصدر الذي نزّل عليك القرآن وكلفك الدعوة ، هو ينبوع القوة ومصدر الزاد والمدد ,,
الاتصال به ذكراً وعبادة ودعاء وتسبيحاً ليلاً طويلاً ..
فالطريق طويل والعبء ثقيل ، ولا بد له من الزاد الكثير والمدد الكبير ..
وهو هناك، حيث يلتقي العبد بربه في خلوة وفي نجاء وفي تطلع وفي أنس
تفيض منه الراحة على التعب والضنى ، وتفيض منه القوة على الضعف والقلة
وحيث تنفض الروح عنها صغائر المشاعر والشواغل ، وترى عظمة التكليف
وضخامة الأمانة ، فتستصغر ما لاقيت وما تلاقي من أشواك الطريق ! ":
[color:57b1=purple:57b1]قلب الطهر