ثم بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن يهود بني قريظة القاطنين بجوار المدينة يريدون نقض ما بينهم وبينه من العهود، فاسترجع من جيشه خمسمائة رجل لحراسة النساء والذرارى، ولما علم المسلمون بأمر بني قريظة اشتد وجلهم لأن العدو قد أصبح محيطاً بهم من الخارج والداخل، ولكن الله سبحانه وتعالى قيَّض لرسوله صلى الله عليه وسلم من انبث بين الأعداء يفرق جموعهم بالخديعة والحيلة، حتى استحكم الفشل بينهم، وخاف بعضهم بعضاً، وأرسل الله تعالى عليهم ريحا باردة في ليل مظلم أكْفَأت قدورهم وطرحت آنيتهم، فارتحلوا من ليلتهم، وأزاح الله تعالى هذه الغُمَّة التي تحزَّب فيها الأحزاب من قبائل العرب واليهود على المسلمين.
وكانت هذه الحادثة بين شهري شوال وذي القعدة من شهور السنة الخامسة للهجرة، واستشهد فيها من المسلمين ستة، وقتل من المشركين ثلاثة.
ولما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخلع لباس الحرب حتى حاصر بني قريظة لخيانتهم ونقضهم للعهد، واستمر محاصراً لهم خمساً وعشرين ليلة، حتى كادوا يهلكون ولم يروا بدًّا من التسليم لما يحكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضوا بأن ينزلوا على حكم سيدهم سعد بن معاذ، فحكم بقتل رجالهم وسبي نسائهم وذراريهم وأخذ غنائمهم، فحبس الرجال في دور الأنصار حتى حفرت لهم خنادق ضربت أعناقهم فيها، وكانوا نحو سبعمائة رجل، وبذلك أراح الله المسلمين من شر مجاورة هؤلاء الأعداء، والله عزيز ذو انتقام